رواية لمن القرار بقلم سهام صادق
معاه يا بنتي
ابتعدت عنه تنظر إليه على أمل أن تسمع موافقة والدتها
وماما.. ماما موافقه
ناهد بكرة قلبها يصفي وتنسى.. متضيعيش سعادتك عشان حد يا بنتي
بس ديه ماما.. ازاي
والحقيقة وقفت على طرفي شفتيه.. ناهد لم تنطقها رغم إنه كان يأمل ذلك وكان يتوقعه ولكنها ظلت صامتة
ناهد التي وقفت تتنصت على حديثهم بعدما شعرت به ينهض من جوارها يغادر غرفتهما بهدوء حتى لا تستيقظ.. تعلقت عيناها بالفراغ تحدق في اللاشيء وصوت تلك الصديقة يتردد داخل أذنيها
ده مبقاش شايف مراته ولا عياله.. بيقولوا إنها سحرته..
وصدى الكلمة يتردد داخلها
الفصل الواحد والعشرون
لم يخبرها عبدالله بالحقيقة كما كانت تنتظر.. الشك كان يراودها منذ أن بدأت تبتعد بمشاعرها عن ملك ولكن عبدالله حبه الأبوي لم يتغير يوما نحوها.. نظرات عينيه إليها تلك السعادة التي رأتها على وجهه عندما طلب رسلان يدها.. تأنيبه الدائم لها وكيف أصبحت أنانية لا ترى إلا مها.. مها أبنتها وأبنته أما تلك الدخيلة فهي أكرمتها لسنوات طويل
وعينين تلك الصديقة كانت تترصد خلجات نفسها التي ظهرت على صفحات وجهها .. شامتة هي بل وسعيدة
ناهد صاحبة الأنف المرفوعة والطبقة الإجتماعية المرموقة تطلب منها خدمتها
جيه اليوم اللي هشوفك فيه زينا يا ناهد لا وكمان بتطلبي مني مساعدتي
متعرفيش أنا اخدتلك الميعاد ازاي يا ناهد.. لولا إنك غالية بس عليا
طالعتها ناهد ممتقعة الوجه تستنكر تلك الطريقة التي تحادثها بها
عارفه كويس غلاوتي عندك يا فاتن متقلقيش.. قوليلي أمتي الميعاد مع الدكتور.. قصدي الشيخ فهيم
الټفت ناهد حولها بعدما دارت عينين فاتن في المكان
مالك يا فاتن بتبصي حواليكي كده ليه
اخاڤ يزعلوا مننا ولا حاجة
نظرت ناهد حولها في ذعر وتوجس تبحث عما تخبرها به فاتن
لا لا خلاص مش عايزه.. انسى الموضوع ده
الشيخ فهيم راجل مبيأذيش حد.. ده راجل بيساعد الناس لوجه الله.. بس طلبات الأسياد هي اللي بتكون كتيره
وعادت فاتن تسرد عليها قصص من ساروا في ذلك الطريق وقد أثمرت حياتهم بما أرادوا... ونسيت أن تخبرها بنهايات البعض.. زين لها الشيطان سهولة الطريق وجمال نفعه
استمعت ناهد إليها بإنصات مدهوشة من إنجازات الشيخ فهيم ذلك الرجل البركة التي لا تكف فاتن عن نعته بتلك الكلمة
مش مهم الفلوس عندي... المهم يحصل اللي أنا عايزاه
ربتت فاتن على يدها تطمئنها بأن ما تريده سيحدث
متقلقيش يا ناهد كله هيحصل وهتدعي للشيخ مبروك
والإنسان يسقط في الحفرة التي حفرها له شيطانه..
...........
أرتشف القليل من قهوته ينظر نحو الواقف أمامه وقد طرق رأسه أرضا ينتظر منه أن يعرف لماذا أستدعاه لمنزله بعدما أخبره أن فتون أصبحت تعمل لدي جده السيد عظيم
الأمر أدهشه في البداية ولكنه كان خيرا من سعيد.. حسن كان عبارة عن صفحة مرئية له ولكنه ظن بعد زواجه إنه سيتغير ويصبح رجلا ولكنه كما هو حسن سائقه الحاقد العاق
انكسر الصمت أخيرا وحسن يرفع عيناه نحوه يسأله
هي فتون هتفضل أد إية عند السيد عظيم يا بيه
هيفرق معاك يا حسن
مش مراتي يا بيه
وحسن كان أكثر منه ذكاء في الجواب عليه.. اقترب منه بخطوات بطيئة تنم عن هدوء صاحبها
فتون عايزة تطلق يا حسن
العبارة لم تأخذ الكثير من الوقت حتى بدء حسن يستوعبها.. فتون تلك الحشرة الصغيرة التي تزوجها ليرضي رغباته ويشبعها تطلب منه الطلاق بل وتضعه أمام أكثر رجلا يمقته.. نعم إنه يكره هذا الرجل الواقف أمامه يكرهه لدرجة لا توصف
بنت...
همس عبارته التي بترها ينظر نحو الذي أصبح أمامه دون أن يفصلهما إلا خطوات بسيطة
ها يا حسن هتطلقها بهدوء ولا أنت شايف حاجة تانية ممكن نعملها
تعلقت عينين حسن فتلك النبرة التي يحادثه بها رب عمله لا تدل إلا على شىء واحد فتون قد أخبرته بالكثير بل والأكثر
ازدرد لعابه يرفع هامته عاليا فهل يظن رب عمله إنه يمتلك القرار عليه في تطليق زوجته.. راقبه سليم بعينيه ينتظر جوابه وتلك النظرة المتحدية التي يطالعه بها حسن قد علم منها جوابه
مش هطلق مراتي يا بيه!
...........
تأملت المكان حولها ورغم إنها أتت إليه من قبل ولكنها كانت تحدق بكل شىء وكأنها تراه لأول مرة.. لم يكن الإنبهار ما يحتل عينيها الواسعتين بلونهما الأسود ولكن الراحة وذلك السلام الذي تمده لها الطبيعة كان وحدهما ما تشعر بهما
همست لنفسها وهي تسير وسط الأشجار في مزرعة السيد عظيم
أظاهر إنك كبرتي يا فتون..
كانت الحقيقة التي خاطبت بها حالها.. إنها كبرت لأعوام..
ارتجف جسدها من لسعة الهواء الباردة المنعشة.. تتذكر رسالة حسن لها
حسن يخبرها أن تتعقل حتى لا تنال بطشه.. وكأنها لم تنال يوما بطشه
حسن عمره ما ھيأذيكي.. سليم بيه وعدك بكدة يا فتون.. سليم بيه مش هيسيبه يعمل فيا حاجة
ابتسمت لحالها وهي تتذكر ليلة أمس عندما أخبر الخادمة التي تعمل هنا... إنها ضيفة لديه.. السيد سليم أعدها ضيفة لديه بل والخادمة نادتها بذلك اللقب الذي جعل عيناها تتسع على وسعهما هانم باتت ليلتها تبتسم كالبلهاء كلما تذكرت نداء الخادمة لها
لا أصحى يا فتون.. أصحي من أحلامك.. أنت خادمة عند البيه
رددت لحالها حتى تجعل قلبها يكف عن رسم المزيد من أحلامه
خدامة.. أنا خدامة ومجنونه كمان ده انا واقفة بكلم نفسي وبضحك زي الهابلة
قضت باقية تجولها في الضحك على حالها ومخاطبة نفسها..
عادت للمنزل بشعور جديد وقد تناست للحظات من هي وأين هي
الجد عظيم كان يجلس في شرفة المنزل الواسعة التي تطل على الحديقة يحتسي الشاي الخاص به يستمتع بغروب الشمس ويحلق بذكرياته في سنوات قد مضت
سقطت عصاه التي يضعها على مقربة منه حتى إذا نهض يلتقطها بسهولة.. انحني ليلتقط عصاه ولكنه لم يعد يستطيع الإنحناء كالسابق
اندفعت نحوه تجثو على ركبيتها تلتقطها وتمدها له.. رمقها وهو يعقد حاجبيه يدقق النظر فيها
أنت الخدامة اللي جابها سليم معاه قبل كده.. مرات السواق
والحقيقة التي تناستها للحظات عادت تذكرها من هي.. اعتدلت في وقفتها بعدما التقط منها عصاه
أيوة يا بيه
فحصها الجد بعينيه يتذكر ما أخبره به حفيده عنها ليلة أمس عندما جاء بها
أعمليلي شاي بالنعناع.. عشان شاي نعمات وحش وبيسد النفس
كتمت ضحكتها بصعوبة.. الجد متذمر من صنع خادمته لكوب الشاي خاصته
انصرفت من أمامه تعد له ما أراد..عادت بكوب الشاي تنتظر تقيمه ليطالعها الجد وقد تلاشي عبوسه
بتعملي شاي حلو.. بعد كده أنت اللي هتعمليلي الشاي يا..
فتون يا بيه
اندمج الجد مع كوب الشاي خاصته وكأنه بتلك الطريقة أعطاها موافقته على مكوثها في منزله
عادت بأدراجها نحو المطبخ حيث المكان الذي تنتمي له وإليه مهما حلقت بخيالها
.............
نظرت إليه عبر مرآتها بعدما أنهت تزينها